ابو رامى الغرباوى المراقب العام ونائب المدير العام
عدد الرسائل : 2921تاريخ التسجيل : 07/12/2007
موضوع: وجــــــع القلــــب السبت يناير 08, 2011 8:25 am
:: وجـــــع قلــــب ::
قبل أن تقبّل يده للمرة الأخيرة .. تفقدت غرفتها بنظرات ملؤها الشوق .. لم تغادر بعد وها هي لا تستطيع أن تترك المكان .. سريرها المرتب، كم حمل من ذكريات طفولة وأحلام الصبا .. كم استلقت تقرأ روايات وتكتب أشعار وكم لعبت تلك الالعاب الذهنية التي جعلت الليل والنهار يمرون دون ملل ... تلك الزاوية حيث تضع ألعابها بدت خالية الان .. فقد كبرت وآن الأوان كي تتخلى عنها .. وهذه أشيائها تتركها كل في مكانه فهي مغادرة الى مكان لا تستطيع حمل الا ذكرياتها معها ... تعطّرت لاخر مرة بعطرها الياسميني الرقيق .. وتوجهت الى الشرفة ..
جلس هناك كعادته .. حاملا كتابا بيده يستمع الى أغنيات منبعثة من الاذاعة المحلية ... "أهرب من قلبي أروح على فين .. ليالينا الحلوة في كل مكان ...." تبسمت وانحنت قربه .. احتضنت يده المجعّدة وقبلتها بكل ما فيها من حنان .. فقد ربّاها على حنانه وكان لها الأب والأم ولأخ والصديق في غياب الجميع عنها ... هو وحده من حمل عنها كل الهموم وحمّلها أسلحة العلم والايمان والتربية كي تواجه معترك الحياة ...
"ألن تأتي معي؟" .. أغمض عينيه وأومأ برأسه مستنكرا .. سقطت دمعته دون ادراك منه ولامست يديهم المتشابكة قرب وجنتيه ووجنتيها ... غصّة في قلبه سفرها ومغادرتها للمكان .. أيقن للتو أنه يودّع روحه معها .. فهي كانت كل حياته وسبب حياته وزينة أيامه ولياليه ... ولكن .. لن يستطيع أن يتمسك بها أكثر فقد آن لهذه الفراشة أن تنطلق، أن تختبر أجنحتها أشعة شمس سماء أخرى .. أن تلمس وجنتيها الحريريتين بصمات أصابع أرّق وأصغر ... أن تحتضن الحياة في بيت صغير يحمل صغارها وأن تكون هي الكبيرة فيه لا الصغيرة ...
"اذهبي الآن .. أرجوكي ارحلي عني الان ولا تعذبيني أكثر ...." "لم أعد أرغب في رؤيتك هنا .. لا تعودي أبدا ... " كانت لكلماته وقع النار على بستان أزهار ... وقع السكين في قلب رقيق ... لماذا كان عليك أن تودعني بقسوة .. لماذا لم تترك لي لحظاتي الاخيرة كي أتمتع بك وبحنانك .. لماذا جعلت دمعتك تحرق يدي ... لماذا لماذا ...
ولم تستطع أن تترجاه أن يستقبلها بعد .. لن يقبلها في بيته .. لن تكون حبيبته بعد الآن، فهذا اختيارها وهو لن يمنعها ولكنه لن يقبل بها .. لن يشفع لها أي ندم .. أقفل المذياع كي لا تقتله الكلمات .. ألقى بكتابه على المقعد المجاور ... وغادر شرفته للمرة الأخيرة ، فلم يعد للهواء قيمته ولا للبقاء أسبابه .. غادرت وغادرته روحه الى عالم آخر.
