ابو رامى الغرباوى المراقب العام ونائب المدير العام
عدد الرسائل : 2921 تاريخ التسجيل : 07/12/2007
| موضوع: خديجة بنت خويلد "رضي الله عنها" الإثنين أغسطس 30, 2010 9:28 am | |
| خديجة بنت خويلد "رضي الله عنها"
خَدِيجَةُ بِنْتُ خِوَيْلِدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا نسبها الشريف ونشأتها : ولدت سنة 68 قبل الهجرة 556 م في مكة، تربت في بيت مجد ورياسة، ونشأت على الأخلاق الحميدة, وكانت تسمي في الجاهلية بالطاهرة، وقد مات والدها يوم حرب الفِجَار. أبوها: خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وخويلد هذا جد الزبير بن العوام. أمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هدم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وفاطمة هذه هي عمة الصحابي الجليل ابن أم مكتوم يروى انها تزوجت مرتين قبل زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم من سيدين من سادات قريش هما: عتيق بن عائذ المخزومي وقد أنجبت منه ابنة(هند)، وأبو هالة بن زرارة التميمى وأنجبت منه جاريه وغلاما (هاله-هند) وقد كانت خديجة تاجرة ذات مال، وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، فبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم يدعى بالصادق الأمين وانه كريم الأخلاق، فبعثت إليه وطلبت منه ان يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام يدعى "ميسرة"، وقد وافق محمد صلى الله عليه وسلم. زواجها من محمد بن عبد الله : رجعت قافلة التجارة من الشام وقد ربحت أضعاف ما كانت تربح من قبل، واخبر الغلام " ميسرة " خديجة عن أخلاق محمد وصدقة وأمانته، فأعجبها وحكت لصديقتها " نفيسة بن مُنية "، فطمأنتها "نفيسة" واعتزمت ان تخبر محمد برغبة خديجة من الزواج منه(لم تقلها مباشرة ولكن فهم ذلك من حديثها الطيب عن السيدة خديجة رضي الله عنها). لم تمض إلا فترة قصيرة حتى سارع لطلب الزواج من السيدة خديجة وفي صحبته عماه " أبو طالب وحمزة، ابنا عبد المطلب ". وقد أثنى علية عمها " عمرو بن أسد بن عبد العزى بن قصي " وتزوج سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة(رضي الله عنها). كان عمر سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) عندها 25 عاماً، و السيدة خديجة رضي الله عنها 40 عاماً، فكانت بمثابة الزوجة المخلصة. أولادها حسب السير : أم محمد بنت عتيق بن عائذ المخزومية القرشية. هند بن أبي هالة بن زرارة بن النبـّاش القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. عبد الله بن رسول الله، ولـُقّب بالطاهر والطيب. زينب بنت رسول الله. رقية بنت رسول الله. أم كلثوم بنت رسول الله. فاطمة بنت رسول الله. إســــــــلامها : شجرة نسب خديجة وإلتقاءه بنسب محمد بن عبد الله وبأنساب باقي أمهات المؤمنين كان قد مضى على زواجها من محمد 15 عاماً، وقد بلغ محمد الأربعين من العمر، وكان قد اعتاد على الخلوة في غار "حراء" ليتأمل ويتدبر في الكون. وفي ليلة القدر، عندما نزل الوحي على محمد واصطفاة الله ليكون خاتم الانبياء والمرسلين، انطلق محمد إلى منزله خائفاً يرتجف، حتى بلغ حجرة زوجتة خديجة فقال: " زملوني "، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: " مالي يا خديجة؟، وحدثها بصوت مرتجف، وحكى لها ما حدث...وقال " لقد خشيت على نفسي ". فطمأنته قائلة: " والله لا يخزيك الله أبدا... إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق " فكانت أول من آمن برسالته وصدّقه....فكانت بهذا أول من اسلم من المسلمين جميعا وأول من اسلم من النساء وأيضاً هي أم المؤمنين الأولى. منزلة خديجة عند النبي محمد : كانت لخديجة منزلة خاصة في قلب محمد عليه الصلاة والسلام فهي عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد أمر الله رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب. وحتى بعد وفاتها وزواج محمد عليه الصلاة والسلام من غيرها من أمهات المؤمنين لم تستطع أي واحدة منهن أن تزحزح " خديجة " عن مكانتها في قلب محمد عليه الصلاة والسلام . فبعد أعوام من وفاتها وبعد انتصار المسلمين في معركة "بدر" وأثناء تلقي فدية الأسرى من قريش، لمح محمد عليه الصلاة والسلام قلادة لخديجة بعثت بها ابنتها " زينب " في فداء لزوجها الأسير " أبي العاص بن الربيع " حتى رق قلب المصطفى عليه الصلاة والسلام من شجو وشجن وذكرى لزوجته الأولى " خديجة " تلك الزوجة المخلصة الحنون، التي انفردت بقلب محمد عليه الصلاة والسلام ربع قرن من الزمان لم تشاركها فيه أخرى، فطلب محمد عليه الصلاة والسلام من أتباعه أن يردوا على زينب قلادتها ويفكوا أسيرها ان شاءوا. وقالت عائشة: كان محمد صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكر عليه الصلاة والسلام خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت هل كانت إلا عجوزاً فأبدلك الله خيراً منها، فغضب ثم قال:" لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء فقالت عائشة " يا رسول الله، اعف عني، ولا تسمعني أذكر خديجة بعد هذا اليوم بشيء تكرهه" قالت عائشة رضي الله عنها " ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة. وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم قطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة. فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد..." فكان حقًّا أن يكون لهذه الطاهرة فضل ومكانة عند رســــــول الله تسمو على كل العلاقات، وتظل غُرَّة في جبين التاريخ عامَّة وتاريخ العلاقات الأسرية خاصَّة؛ إذ لم يتنكَّرلهذه المرأة التي عاشت معه حلو الحياة ومرها، بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها؛ وفاءً لها وردًّا لاعتبارها: "إني قد رزقت حبها". ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنهلم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها، إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها قال عنها المؤرخون : يقول بودلي: (إن ثقتها في الرجل الذي تزوجته..لأنها أحبته..كانت تضفى جوا من الثقة على المراحل الأولى للعقيدة التي يدين بها اليوم واحد في كل سبعة من سكان العالم) . ويؤرخ مرجليوث حياة محمد صلى الله عليه وسلم باليوم الذي لقى فيه خديجة و"مدت يدها إليه تقديرا"، كما يؤرخ حادث هجرته إلى "يثرب" باليوم الذي خلت فيه "مكة" من "خديجة". ويطيل " درمنجم " الحديث عن موقف " خديجة " حين جاءها زوجها من غار حراء " خائفا مقرورا أشعث الشعر واللحية، غريب النظرات...، فإذا بها ترد إلية السكينة والأمن، وتسبغ عليه ود الحبيبة وإخلاص الزوجة وحنان الأمهات، وتضمه إلى صدرها فيجد فيه حضن الأم الذي يحتمي به من كل عدوان في الدنيا . وكتب عن وفاتها:... فقد محمد بوفاة خديجة تلك التي كانت أول من علم أمره فصدقته، تلك التي لم تكف عن إلقاء السكينة في قلبه...والتي ظلّت ما عاشت تشمله بحب الزوجات وحنان الأمهات . خديجة.. العفيفة الطاهرة :
كان أول ما يبرز من ملامح السيدة خديجة الشخصيَّة صفتي العفة والطهارة، هاتان الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حرامًا ولا حلالاً، في بيئة تفشت فيها الفاحشة حتى كان البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن.
وفي ذات هذه البيئة، ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف، ولقبت بـ"الطاهرة"، كما لُقبأيضًا في ذات البيئة بـ"الصادق الأمين"، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك، لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر. خديجة.. الحكيمة العاقلة :
وتلك هي السمة الثانية التي تميز بها شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، فكل المصادر التي تكلمت عن السيدة خديجة -رضي الله عنها- وصفتها بـ"الحزم والعقل"، كيف لا وقد تجلت مظاهر حكمتها وعقلانيتها منذ أن استعانت بهفي أمور تجارتها، وكانت قد عرفت عنه الصدق والأمانة. ثم كان ما جاء في أبلغ صور الحكمة، وذلك حينما فكرت في الزواج منه، بل وحينما عرضت الزواج عليه في صورة تحفظ ماء الوجه؛ إذ أرسلت السيدة نفيسة بنت منية د سيسًا عليه بعد أن رجع من الشام؛ ليظهر وكأنه هو الذي أرادها وطلب منها أن يتزوجها. ونرى منها بعد زواجها كمال الحكمة وكمال رجاحة العقل، فها هي تستقبل أمر الوحي الأول بعقلانية قلَّ أن نجدها في مثل هذه الأحوال بالذات؛ فقد رفضت أن تفسِّر الأمر بخزعبلات أو أوهام، بل استنتجت بعقليتها الفذة وحكمتها التي ناطحت السحاب يوم ذاك أن الله لن يخزيه، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليدركا الأمر. وهذه طريقة عقلانية منطقية بدأت بالمقدمات وانتهت بالنتائج المترتبة على هذه المقدمات، فيا لها من عاقلة! ويا لها من حكيمة! خديجة.. نصير رسول الله :
وهذه السمة من أهم السمات التي تُميِّز شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، تلك المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله، ويكفي في ذلك أنها آمنت بالرسولوآزرته ونصرته في أحلك اللحظات التي قلما تجد فيها نصيرًا أو مؤازرًا أو معينًا. ثم هي -رضي الله عنها- تنتقل مع رسول اللهمن حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار، فلم يزدها ذلك إلا حبًّا لمحمد وحبًّا لدين محمد، وتحديًا وإصرارًا على الوقوف بجانبه، والتفاني في تحقيق أهدافه. فلما خرج رسول اللهمع بني هاشم وبني عبد المطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة، لم تتردد -رضي الله عنها- في الخروج مع رسول اللهلتشاركه -على كبر سنها- أعباء ما يحمل من أمر الرسالة الإلهية التي يحملها، فقد نَأَتْ بأثقال الشيخوخة بهمة عالية، وكأنها عادت إليها صباها، وأقامت في الشعاب ثلاث سنين وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى. وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سندًا وعونًا للرسولفي إبلاغ رسالة رب العالمين الخاتَمة، فكما اجتبى اللهرسوله محمدواصطفاه من بين الخلق كافة، كذلك قدَّر له في مشوار حياته الأول لتأدية الرسالة العالمية مَن تضارعه أو تشابهه لتكون شريكًا له في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، فآنسته وآزرته وواسته بنفسها ومالها في وقت كان الرسولفي أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة. فضــــــــــائلها :
1- خير نساء الجنة
لا شك أن امرأة بمثل هذه الأوصاف لا بد أن يكون لها منزلة رفيعة، فها هو الرسوليعلن في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة؛ فقد روي عن أنس بن مالكأن النبيقال: "حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون". 2- يقرئها ربها السلام
ليس هذا فحسب، بل يُقرِئُها المولىالسلام من فوق سبع سموات، ويبشرها ببيت من قصب في الجنة؛ فعن أبي هريرةأنه قال: أتى جبريلٌ النبيَّفقال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ". وكتب عنها محمد الغزالي"في فقه السيرة" : خديجة مثل طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل العظيم. إن أصحاب الرسالات يحملون قلوباً شديدة الحساسية، ويلقون غبناً بالغاً من الواقع الذي يريدون تغييره، ويقاسون جهاداً كبيراً في سبيل الخير الذين يريدون فرضه. وهم أحوج ما يكونون إلى من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه، بله الإدراك والمعونة! وكانت خديجة سباقة إلى هذه الخصال وكان لها في حياة محمد (صلَّى الله عليه وسلم) أثر كريم . . قال ابن الأثير: "كانت -خديجة- امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه. فلما بلغها عن رسول الله صدق الحديث، وعظم الأمانة، وكرم الأخلاق، أرسلت إليه ليخرج في مالها إلى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره، ومعه غلامها ميسرة". وقد قبل محمد عليه الصلاة والسلام هذا العرض ورحل إلى الشام عاملاً في مال السيدة التي اختارته، ويظهر أن التوفيق حالفه في هذه الرحلة، أكثر من سابقتها مع عمه أبي طالب، فكان ربحها أجزل، وسرَّت خديجة بهذا الخير الذي أحرزته ولكن إعجابها بالرجل الذي اختبرته كان أعمق. إنها امرأة عريقة النسب، ممدودة الثروة، وقد عرفت بالحزم والعقل. ومثلها مطمح لسادة قريش لولا أن السيدة كانت تحقر في كثير من الرجال أنهم طلاب مال لا طلاب نفوس، وأن أبصارهم ترنو إليها بغية الإفادة من ثرائها وإن كان الزواج عنوان هذا الطمع! لكنها عندما عرفت محمداً عليه الصلاة والسلام وجدت ضرباً آخر من الرجال. وجدت رجلا لا تستهويه ولا تدنيه حاجة. ولعلها عندما حاسبت غيره في تجارتها وجدت الشح والاحتيال. أما مع محمد (صلَّى الله عليه وسلم) فقد رأت رجلاً تقفه كرامته الفارعة موقف النبل والتجاوز، فما تطلع إلى مالها ولا إلى جمالها! لقد أدى ما عليه ثم انصرف راضياً مرضياً. ووجدت خديجة ضالتها المنشودة. فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها "نفيسة بنت منيَّة". وهذه ذهبت إلى محمد عليه الصلاة والسلام تفاتحه أن يتزوج من خديجة، فلم يبطئ في إعلان قبوله. ثم كلم أعمامه في ذلك فذهب أبو طالب وحمزة وغيرهما إلى عم خديجة عمرو بن أسد -إذ إن أباها مات في حرب الفجار- وخطبوا إليه ابنة أخيه، وساقوا إليها الصداق عشرين بكرة. ووقف أبو طالب يخطب في حفل الزواج قائلاً: "إن محمداً لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً، وإن كان في المال قُلاًّ فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة. وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك" فكان جواب ولي خديجة -عمها عمرو- "هو الفحل الذي لا يقدع أنفه" وأنكحها منه... وقيل: إن العبارة الأخيرة جرت على لسان "أبي سفيان" عندما تزوج محمد رسول الله ابنته أم حبيبة. وكانت الحرب بينهما على أشدها. فاعتذر أبو سفيان عن ذلك بأن محمداً الرجل من الكفاءة بحيث يعتبر الإصهار إليه منقبة! والخصومة القائمة بينهما لا تنزل بقدر محمد عليه الصلاة والسلام أبداً، ونكاحه لبنت أبي سفيان لا يشين أبا سفيان أبداً، وإن كان يومئذ ألدَّ عدو له. كان محمد عليه الصلاة والسلام في الخامسة والعشرين عندما تزوج خديجة، وكانت هي قد ناهزت الأربعين. وظل هذا الزواج قائماً حتى ماتت خديجة عن خمسة وستين عاماً. كانت طوالها محل الكرامة والإعزاز، وقد أنجب رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم) أولاده جميعاً منها ما عدا إبراهيم. ولدت له أولاً "القاسم" وبه كان يكنى بعد النبوة ثم "زينب" و"رقية" و"أم كلثوم" و"فاطمة" و"عبدالله"، وكان "عبدالله" يلقب بالطيب والطاهر. ومات "القاسم" بعد أن بلغ سناً تمكنه من ركوب الدابة والسير على النجيبة. ومات عبدالله وهو طفل. ومات سائر بناته في حياته. إلا فاطمة فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به. كان قران محمد عليه الصلاة والسلام بخديجة خيراً له ولها. ولا شك أن هذا البيت الجديد قد اصطبغ بروح رب البيت، روح التطهر من أدران الجاهلية، والترفع عن تقديس الأوثان. وقد استأنف محمد عليه الصلاة والسلام ما ألفه بعد زواجه من حياة التأمل والعزلة. وهجر ما كان عليه العرب في أحفالهم الصاخبة من إدمان ولغو وقمار ونفار، وإن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته، وتدبير معايشه، والضرب في الأرض والمشي في الأسواق. إن حياة الرجل العاقل وسط جماعة طائشة تقتضي ضروباً من الحذر والروِيَّة، وخصوصاً إذا كان الرجل على خلق عظيم يتقاضاه لين الجانب وبسط الوجه. ولم يكن ثمة ما يقلق في هذه الزيجة الموفقة إلا ألم خديجة لهلاك الذكور من بنيها؛ مع ما للذكران من منزلة خاصة في أمة كانت تئد البنات وتسودُّ وجوه آبائهن عندما يبشرون بهن!! والغريب أن العرب بعد البعثة كانوا يعيِّرون محمداً (صلَّى الله عليه وسلم) بهذا، ويعلنون ارتقابهم لانقطاع أثره وانتهاء ذكره. فعن ابن عباس رضي الله عنه، أن قريشاً تواصت بينها في التمادي في الغي والكفر، وقالت: الذي نحن عليه أحق مما عليه هذا الصنبور المنبتر -والصنبور النخلة التي اندق أصلها- يعنون أن محمداً عليه الصلاة والسلام إذا مات لم يرثه عقب، ولم يحمل رسالته أحد {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ. قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ} ـ الطور30ـ ومحمد (صلَّى الله عليه وسلم) ورسالته فوق هذه الأماني الصغيرة. إلا أن الأسى كان يغزو قلب الوالد الجليل وهو يودع أبناءه الثرى، فيجدد الثكل ما رسب في أعماقه من آلام اليتم. إن غصنه تشبث با لحياة فاستطاع البقاء والنماء برغم فقدانه أبويه. وها هو ذا يرى أغصانه المنبسقة عنه تذوي مع رغبته العميقة ورغبة شريكة حياته في أن يرياها مزهرة مثمرة، وكأن الله أراد أن يجعل الرقة الحزينة جزءاً من كيانه! فإن الرجال الذين يسوسون الشعوب لا يجنحون إلى الجبروت إلا إذا كانت نفوسهم قد طبعت على القسوة والأثرة وعاشت في أفراح لا يخامرها كدر، أما الرجل الذي خبر الآلام فهو أسرع الناس إلى مواساة المحزونين ومداواة المجروحين. وفـــــــــــاتها :
توفيت " خديجة " أم المؤمنين الأولى ووزير محمد قبل هـــــــجرة الرسول إلى المدينة المنورة بثلاث أعوام، وكان عمرها 65 عاماً. أنزلها محمد بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيده، ودفنها بالحجون (مقابر المعلاة بمكة المكرمة). | |
|