ابو رامى الغرباوى المراقب العام ونائب المدير العام
عدد الرسائل : 2921 تاريخ التسجيل : 07/12/2007
| موضوع: من نفحات عرفات السبت نوفمبر 13, 2010 8:02 am | |
| من نفحات عرفات
أعظم أعمال الحج هو الوقوف بعرفة ، ذلك المكان المبارك حيث يجتمع الحجاج في رحابه وعلى جبله ، ترتفع أصواتهم بالتلبية والدعاء ، وتنطلق حناجرهم بالاستغفار والتوبة ، يتوجهون لربٍّ واحد لا ربَّ لهم سواه ، ويتأملون في مغفرته ورحمته وإجابته ، بقلوب خاشعة وعيون دامعة وأجساد قد تجردت من كل مظاهر الدنيا ، واستشعرت وقفتها بين يدي رب العالمين في يوم الحساب العصيب لا تطمع هناك إلا بالنجاة والفوز برضوان الله والجنة .
لذلك فإن الشيطان في يوم الوقوف بعرفة يعيش في هم وغم وكرب شديد ، ذلك أن بضاعته قد كسدت ، وسوقه قد تعطلت ، وأساليبه وحيله قد بطلت ، وهو يرى الحجاج وقد أخلصوا عبادتهم لله تعالى ، وتنزلت عليهم ملائكته ونفحاته بالمغفرة لذنوبهم ، والاستجابة لدعواتهم ، فيستخزي ويتضاءل كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ ولا أحقر منه يوم عرفة )
و إن في عرفات من الذكريات الجليلة ما ينبغي لكلِّ حاجٍّ أن يقف عند دروسها متعلماً متعظاً ، ولعل من أعظمها ذكرى حجة الوداع يوم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الرحاب الطاهر وقد اجتمع من حوله ما يقرب من مائة وعشرين ألفاً من أصحابه الكرام ، يخاطبهم خطاب الوداع ويؤكد لهم فيه على مبادئ وقيم وأحكام ، جاءت في رسالة ربه تبارك وتعالى التي حملها إليهم وحيداً فريداً لامعين له ولا أنصار بعد أن تلقاها في غار حراء الذي لا يبعد عن عرفات أكثر من عشرين ميلاً ، لقد بدأ دعوته من حراء بجد وعزم وصبر واستمر على ذلك ثلاثة وعشرين عاماً وهاهو يخطب في هذه الجموع لتشهد له عند ربه بالدعوة والتبليغ .
و لقد حمل الصحابة الكرام أمانة الدعوة والتبليغ عن رسولهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وانطلقوا في فجاج الأرض ينشرون رسالة الله بين الناس شرقاً وغرباً ، فكانوا خيرَ مَن مثَّلها منطقاً وتعليماً وأخلاقاً وسلوكاً ، يقول مالك بن أنس : ( بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون والله إن هؤلاء خيرٌ من الحواريين ) ، ذلك لأن قلوبهم قد امتلأت بالرحمة وحب الخير لجميع الناس .
و المتأمل في وصايا رسول الله صلى الله عليه و سلم في خطبة الوداع في عرفات يعجب لروعتها ، و يقر بكل قوة بحاجة البشرية اليوم بكل نظمها ومبادئها أن تتعلم منه وتطبق تلك التوجيهات الربانية السامية ، التي كان منها في إرساء مبدأ العدالة والمساواة قوله : ( ياأيها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، ألا لا فضلَ لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ) . وفي إرساء دعائم الأمن والأمان قوله : ( ياأيها الناس إن الله حرَّم بينكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ) . وفي إرساء القاعدة الأولى في الاقتصاد الآمن العادل قوله : ( إن كل ربا في الجاهلية موضوع ) .
فإذا وقف الحجاج في عرفات فليذكروا تلك الوصايا والمبادئ التي كان المسلمون الأولون بتطبيقها خيرَ أمة أخرجت للناس ، وليوطدوا العزم على تطبيقها في حياتهم المعاصرة لينالوا من خيراتها وبركتها ما يجعلهم في مقدمة الركب الإنساني مرة أخرى. </B></I> | |
|