مقـالات
ثورة علم الجينوم وثروة الجينيات السعودية قبل فوات الأوان
لقد تابع الكثير منا في يوم الاثنين 24 ربيع الثاني ما توصل اليه علماء الجينات باكتشاف خريطة المورثات البشرية والتي اعتبرت من قبل كثير من رؤساء الدول على انها اعظم من الصعود الى القمر، حيث تم التوصل الى وضع 97% من هذه الخريطة, ان هذا التطور العلمي الذي لعبه كل من علماء المعهد الوطني الصحي القومي الامريكي المدعوم من قبل الحكومة الامريكية وعلماء شركة سيليرا جينوميكس الامريكية بقيادة الدكتور كريغ فنتر والذين عملوا بالتوازي على طباعة هذه الخارطة الوراثية, ان اهمية هذه الخريطة تكمن في انها سوف تساعد على التعرف على الكثير من الموروثات المسؤولة عن كثير من الامراض المستعصية والتي من اهمها السرطان والسكر ومن ثم ايجاد طرق علاجية لها, ان التعرف على خريطة المخزون الوراثي البشري لهي بداية الطريق لعلماء الجينوم لكي يتعرفوا على وظائف وتأثيرات هذه الجينات, والتي سوف تؤدي للانتقال من مرحلة الجينوم الى مرحلة البروتين المصنع والذي تتحكم بها هذه الجينات سواء كانت سليمة او مصابة بطفرة وراثية.
ونطراً لأن مادة ال DNA تعتبر اساس المادة الحية ونظراً لما وصل اليه التقدم العلمي الحديث في علم الاستنساخ لذا فانه يمكن استخدام هذه المادة الوراثية لاستنساخ كائنات حية ذات صفات وراثية معينة, كما ان بعض علماء الغرب المتحفظين يخشون انه بالكشف عن خريطة المورثات البشرية يمكن استنساخ خلايا ذات مورثات مضرة من قبل بعض العلماء عديمي الاخلاق وذلك لاهداف سيئة.
وكما هو معروف لدينا ان احد مقاصد الشريعة الاسلامية تكريم الآدمي والحفاظ على حرمته، كما وان للآدامي المسلم وغير المسلم حرمته الذاتية, وكما هو الحال في نقل الاعضاء الحية والتي قررت المجامع الفقهية الاسلامية بجواز نقلها وزراعتها وذلك طبقا للمصلحة المترتبة على ذلك، فانه يجب ان لا تتنافى ابحاث الوراثة مع هذا المقصد بل لابد ان تحققه وترسخه حيث تصبح ضرورة تخضع في احكامها للشروط العامة للضرورة.
ونظراً لأن هناك الآن حمى عند كثير من الشركات الدوائية الغربية ورغبة بغزو المجتمعات ذات الخصوصية الاجتماعية والعرقية وذلك بهدف مقارنة الجينوم في هذه المجتمعات وما تم التعرف عليه، في الدول الغربية وكذلك مقارنة الخريطة السليمة مع الخريطة الوراثية لبعض الامراض المستوطنة في تلك البلدان ومن ثم التعرف على الجينات المسببة لتلك الامراض ومعالجتها مما قد يؤدي الى فخ الاحتكار العلمي والمادي, حيث يقول العالم الصيني يانغ هنمنغ رئيس دارة الجينوم البشري في اكاديمية الصين للعلوم انه ليس مسروراً بوجود بعض الشركات الطبية الاجنبية في الصين والتي تعمل في مجال البحوث الوراثية لانني لا اعرف ما يدور بداخلها , كما يقول عالم آخر اننا نعلم ان شركة سيليرا مثل الذئب الجائع الذي يريد ان ينقض على فريسته المواد الوراثية التي ستجمع من الشعب الصيني، اذ تعد هذه الشركة هي ثاني شركة امريكية بعد مايكروسوفت متهمة بالاحتكار التجاري في امريكا ولكنني على ثقة من ان العلماء الصينيين والصينيين انفسهم على قدر من الثقة بكيفية التعامل مع مثل هذه الشركة .
ونظراً لان المملكة العربية السعودية تعد من تلك المجتمعات ذات الطبيعة الاجتماعية الخاصة ولكثرة القبائل التي لم تختلط بأعراق اخرى وكذلك عادات الزواج بين الاقارب فيها منتشرة فانها سوف تكون محط انظار تلك الشركات لاجل اجراء مثل تلك البحوث الطبية ومن اهمها البحوث الوراثية.
لذا نود ان نلفت الانتباه الى ما يلي:
1, وجوب انشاء مجلس للبحوث الطبية تحت الاشراف المباشر والتام من وزارة الصحة نظراً لأن المريض يقع تحت مسئوليتها، والذي بدوره سيساهم بحماية المرضى وعدم ادراجهم في اي تجارب سريرية، او طرق علاجية خاصة للادوية التي تحت الاختبارات او ابحاث طبية وخاصة ابحاث وراثية دون الحصول على موافقة مسبقة من هذا المجلس, بحيث يضم المجلس لجنة خاصة تهتم بأخلاقيات الابحاث الطبية وان تتكون هذه اللجنة من مجموعة من العلماء المختصين وعلماء الفقه والشريعة والقانون, اذ ان العلماء الامريكان يطالبون بوجوب برلمان دولي يحدد اخلاقيات البحوث الوراثية.
2, عدم وجود دستور لمعايير واخلاقيات البحوث الطبية مطبق بصفة رسمية من قبل جهة رسمية مثل ما يوجد في الدول الغربية حيث ان هناك جهودا متواضعة من قبل بعض المراكز الطبية او نابعة من معايير واخلاقيات شخصية بحتة, ونظراً والحمد لله لان مجتمعنا مجتمع اسلامي وعربي ذو ميزة مختلفة اذ لا يمكن ان نطبق مثل هذه المعايير الدولية بل يجب اسقاط مثل هذه المعايير ضمن حدود الشريعة الاسلامية والخلفية الاجتماعية لمجتمعاتنا هذا الامر يجب ان يتم باشراك احد العلماء الشرعيين وذلك للتأكد من حفظ حق المواطن .
3, لابد من الحصول على اقرار بالموافقة الخاصة لاي مشاركة للمرضى في اي بحث وراثي طبي, اذ انه هنا في المملكة يعتمد معظم الاطباء في البحوث على اقرار الموافقة العام والذي يعتبر عالمياً مرفوض وغير اخلاقي الذي يوقعه المريض او من ينوب عنه عند الدخول او العلاج بالمستشفى, لذا يجب ان يتم الحصول على موافقة من المريض وهو على علم تام من ان عينة ال DNA المتحصل عليها منه يمكن ان تدر ارباحاً طائلة في حالة تسويقها تجارياً, وللتأكد من ذلك فقط لاحظ اسعار اسهم الشركات الحيوية العالمية عند اعلان اكتشاف مورثات احدى الامراض التي تعمل بها، اذ مجرد الاعلان يسبب ارتفاع الاسهم اضعاف قيمتها فضلاً عند انتاج الدواء؟؟, وعليه فاننا نقترح ان تكون وزارة الصحة هي المسؤول الوحيد عن مثل تلك البحوث.
4, عند اجراء اي بحث وراثي على مرضى سعوديين يجب ان يتم ذلك هنا في المملكة وان لا يتم ارسال عينات مادة ال DNA الى الخارج، وذلك لعدم استخدامها دون المراقبة.
5, ضرورة انشاء بنك لحفظ مادة ال DNA بحيث يراعي التالي:
* ان يكون البنك باشراف الدولة او هيئة مؤتمنة تحت اشراف الدولة.
* ان يكون الاختزان على قدر الحاجة الواقعية والمتوقعة.
* الاحترام التام لل DNA المستغنى عنه وان لا تلقى في مصب الفضلات وان يكون التخلص من ال DNA بطريقة اخلاقية.
6, جميع النتائج المتحصل عليها من ابحاث الوراثة لابد ان تكون موجودة في مركز تحت اشراف جهة امنية واشراف فريق سعودي متخصص خاصة اذا كانت الابحاث تتعلق بالمجتمع السعودي وذلك لدرء العبث بها او استغلالها لمصالح شخصية.
7, عند الرغبة في الحصول على معلومات وراثية لابد ان تتم بطرق منظمة بحيث لا يؤدي ذلك الى تحطيم خصوصية الاشخاص المصابين او الاشخاص القابلين لامراض وراثية.
اذ انه في الغرب حالياً يواجه كثير من الاشخاص فقد وظائفهم او عدم رغبة شركات التأمين الطبي من قبولهم نظراً لمعرفتهم بالخريطة الوراثية لهؤلاء الاشخاص, لذا فانه في غياب الحماية الشرعية والقانونية يمكن لاي شخص كائن من كان ان يتعرف على مثل هذه المعلومات الوراثية الخاصة.
8, في الندوة العلمية بعنوان اخلاقيات البحوث السريرية والعلمية التي اقيمت في المستشفى التخصصي بالرياض في الفترة من 26 27 صفر 1421ه اشار البروفيسور جمال الجار الله استاذ طب الاسرة بكلية الطب بجامعة الملك سعود، الى انه لا توجد في المملكة اي معايير واخلاقيات مطبقة بصفة رسمية من قبل جهة رسمية مثل ما يوجد في الدول الغربية حيث ان هناك جهودا متواضعة من قبل بعض المراكز الطبية او نابعة من معايير واخلاقيات شخصية بحتة, ونظراً لاننا من مجتمع ذو ميزة مختلفة لا يمكن ان نطبق مثل هذه المعايير الدولية بل يجب اسقاط مثل هذه المعايير ضمن حدود الشريعة الاسلامية والخلفية الاجتماعي لمجتمعنا.
9, التشديد على توعية العاملين في المجال الصحي وكذلك افراد المجتمع بأهمية البحث العلمي والطبي خاصة وما يتعلق به من اخلاقيات كما ورد في محاضرة الدكتور فهد الخضيري في الندوة آنفة الذكر ، وذلك باقامة ندوات على مستوى علمي ونشر التوعية عبر قنوات الاعلام باختلاف وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية, كذلك تدريس مواد تبين أهمية اخلاقيات البحث العلمي الطبي من منظور اسلامي في جميع كليات الطب والعلوم الطبية بالمملكة.
وهذا بدوره يطرح الاسئلة التالية التي لابد من الاجابة عليها من قبل هيئة كبار العلماء، وذلك لبيان الرأي الشرعي في هذه القضية وذلك في اقرب فرصة نظراً للتطور العلمي الحاصل في هذا المجال.
* هل يجوز تطبيق مثل هذه المعايير القادمة من غير الدول الاسلامية في هذا المجال؟ لابد من بيان المعايير الشرعية لكي يمكن اعتمادها ومن ثم تطبيقها من قبل المسئولين؟
* تقوم الكثير من المستشفيات هنا في المملكة باجراء بحوث طبية قد يكون لها فائدة مستقبلية, ماهي السبل الواجب اتخاذها لكي يتم حماية المرضى وعدم ادراجهم في اي تجارب سريرية، او طرق علاجية خاصة للادوية التي تحت الاختبارات او ابحاث طبية وخاصة ابحاث وراثية؟
* كيف يمكن الحصول على موافقة مسبقة من المريض على المشاركة في اجراء مثل هذه البحوث؟
*هل لابد من الحصول على اقرار بالموافقة خاص للمرضى في اي بحث طبي او اقرار الموافقة العام الذي يوقعه المريض او من ينوب عنه عند الدخول او العلاج بالمستشفى لادراج المريض في البحوث الطبية؟
* هل يجوز اعتماد مثل هذه الموافقة العامة لكي يتم الحصول على عينات من المرضى من قبل الطبيب المعالج او علاج المريض من قبل الطبيب بدواء تحت التجربة؟ وكذلك هل يجوز عند اجراء البحوث الوراثية الحصول على عينات من المرضى لكي يتم بيعها او الدخول مع شركات دوائية لاغراض تجارية بحتة او لاغراض السبق العلمي؟
كما انه يجب ان يدلي كل من الاطباء المتخصصين في علاج الامراض الوراثية وعلماء الوراثة بآرائهم لكي يبينوا للمواطن وخاصة الاشخاص المصابين بأمراض وراثية وذويهم اهمية هذا الموضوع.
هذا والله من وراء القصد.