أميركا وأوروبا
العلماء يبحثون عن مسحوق للدم الصناعي المجفف يستخدم لحمل الأوكسجين من دون الحاجة لباقي مركبات الدم الطبيعي
جدة: د. حسن محمد صندقجي
أعلن في الثاني والعشرين من شهر أغسطس (آب) الماضي عن بدء التجارب الخاصة باستعمال أحد منتجات الدم الصناعي في الولايات المتحدة في حالات إصابة الدماغ ومن المتوقع أن تظهر نتائجها بحلول نهاية هذا العام. وفيما تستمر الأبحاث الأوروبية ضمن مشروع الاتحاد الأوروبي لبدائل الدم الصناعية التي بدأت العام الماضي وتجري بعض أبحاثها على المرضى اليوم، في هذا الوقت يطرح الكوريون الجيل الثالث المزمع إنتاجه من بدائل الدم الصناعية. وقالت مؤسسة الدم الصناعي الدولية ان المرحلة الثانية من دراسات السلامة حول أمان وفائدة مادة أوكسيسايت ستتم في المرضى المصابين بحوادث الدماغ، وهي تنتج أغلب المضاعفات المؤذية فيها عن نقص وصول الأوكسجين الى خلايا الدماغ، ومادة الأوكسيسايت هي مركب صناعي مشتق من مادة فلوروكاربون تعمل على المساعدة في حمل الأوكسجين بدل مركب الهيموغلوبين في خلايا الدم الحمراء. يشير الدكتور روس بولوك رئيس وحدة العناية المركزة بإصابات الأعصاب في جامعة فرجينيا للصحة العامة الى أنه يحصل نقص في تزويد الدماغ بالأوكسجين في 80% من حالات الوفاة نتيجة حوادث إصابة الدماغ، الأمر الذي يظهر في أول 12 ساعة لديهم، ومادة أوكسيسايت تبدو من التجارب التي تمت حتى اليوم بديلاً لافتا للنظر في تعويض تدني قدرة الدم على سد هذه الحاجة الماسة لتوصيل كميات كافية من الأوكسجين الى الدماغ. الدراسة التي تطبق استخدام هذه المادة هي واحدة من مجموعة دراسات تطبيقية أخرى لاختبار فائدتها في الأحوال المرضية المختلفة لتقييم فاعليتها وأمانها تتم في الولايات المتحدة. وأهم تلك الدراسات الدراسة الخاصة باستخدام هذه المادة في عمليات العظام وتحديداً جراحات مفصل الورك، والمتوقع أن تتسع دائرة التجارب لتشمل في مراحل تالية حالات الذبحة الصدرية ونوبات جلطة القلب بغية تقليل تأثر أنسجة عضلة القلب بأمراض الشرايين المقللة من تروية عضلة القلب. الصعوبات التي تواجه المستشفيات والأطباء في الحصول على الدم البشري وسلامته لم تصل الى حل عملي بعد، إذْ يظل هاجس نظافة الدم من الأمراض المعدية يشغل الأطباء برغم أدق وسائل الكشف عنها. كما أن النظام المتبع لحفظه في بنوك الدم لم يعد مقنعاً في ظل شح مصادر الدم النظيف وحاجة المرضى المتزايدة اليه، مما يجعل من الضروري إيجاد حل جذري، والحل الأكثر رواجاً اليوم هو إيجاد بديل لدم الإنسان يؤدي نفس الدور أو بصفة مقاربة. وتوجد اليوم ورشتان للأبحاث الأولى في الولايات المتحدة والأخرى في دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى تدخل أيضاً على خط البحث بخطى واثقة. الدم الصناعي
* يعبر البروفسور كريس كوبر من قسم الكيمياء الحيوية بجامعة إيسسكس البريطانية وأحد الباحثين في المشروع الأوروبي لإنتاج الدم الصناعي قائلاً : ما نبحث عنه هو بودرة (مسحوق) كالحليب المجفف تستخدم لحمل الأوكسجين فقط من دون الحاجة لتوفر باقي مركبات الدم الطبيعي ومزيج العناصر التي فيه. فعبارة أبحاث الدم الصناعي توهم السامع أن البحث والدراسة متجهان الى صناعة مكونات الدم المعروفة سواء بسواء، وهو ما يخالف الواقع، والأولى بالنظر الى أهم وظائف الدم التي هي نقل الأوكسجين أن تكون العبارة ناقل الأوكسجين الصناعي أو بديل خلايا الدم الحمراء في نقل الأوكسجين أو غيرها من العبارات التي تحدد الوظيفة المراد تحقيقها من استخدام بديل للدم.
والدم بكل تركيباته الحيوية، توجد فيه خلايا لم يفكر أحد في صنع مثيلها، لكن التفكير اليوم متجه الى أمرين: الأول كيف يمكن لنا أن نوجد مادة تعمل على نقل الأوكسجين وهو الأمر الأكثر إلحاحاً اليوم، والثاني هو صنع مركبات تخثر أو تجلط الدم. وبشكل أساس تتركز أبحاث الدم الصناعي على إنتاج المواد الكيميائية التي تؤدي بعضاً من وظائف الدم بسهولة وكفاءة وتتوفر للاستخدام بكلفة ممكنة. صفات المادة التي تقوم مقام وظيفة الهيموغلوبين الموجود في خلايا الدم الحمراء والخاصة بحمل الأوكسجين من الرئتين الى أنسجة أعضاء الجسم كله يجب أن تكون مادة غير ضارة للجسم يتم له التخلص منها بسرعة ولها خصائص كيميائية ثابتة عند درجة حرارة الجسم ولا تتأثر بالمتغيرات أو المواد الكيميائية داخل الجسم ورخيصة الثمن ويمكن خزنها وخالية من الآثار الجانبية ويمكن إعطاؤها لكل الناس. وهذا هو المطلوب من المادة التي ستؤدي دور نقل الأوكسجين في الدم من الرئتين وبذله طواعية لخلايا الجسم. هذه المادة يمكن في حال إنتاجها أن تستخدم في العمليات الجراحية أو في أحوال النزيف كي ترفع من كفاءة الدم، ويضاف اليها قدر من السوائل التي بمجموع كميتها ترفع من حجم الدم.
مشروع أوروبي
* هناك خطان للبحث في المشروع الأوروبي، الأول هو البديل المشابه لهيموغلوبين الدم والنوع الآخر هو البديل الصناعي المكون من مواد كيميائية لا علاقة لها بما في الجسم تعرف اختصاراً «بي أف سي» أو مواد الفلوروكاربون، والنوع الثاني شبيه بما عليه الأبحاث في الولايات المتحدة.
الهيموغلوبين الصناعي شبيه بما في الجسم مع تعديلات تقلل من آثاره الجانبية على الكلى. والخيارات المطروحة لتطوير هيئته هي إما ربطه بمركبات أخرى أو وضع غلاف حوله كالكبسولة، والاهتمام اليوم منصب للبحث عن مصدر للهيموغلوبين، والمصادر المقترحة إما من الدم البشري وهو ما سيواجه صعوبات في تأمين الكميات اللازمة منه عاجلاً أم أجلاً، أو دم البقر وهو ما يواجه اعتراضات قبل بدء الأبحاث نتيجة حالات جنون البقر في بريطانيا، أو استخدام الميكروبات عبر تقنية الهندسة الوراثية في إنتاجه أسوة بإنتاج العديد من المركبات الكيميائية كالأنسولين وغيره وهو المصدر الأقرب للواقع والإمكان برغم احتمال ارتفاع كلفة إنتاجه، والمصدر الأخير المقترح هو إنتاج الحيوانات لدم الإنسان عبر تقنية تغذية خلاياها بجينات الإنسان وهي طريقة معقدة وقد تواجه اعتراضات أخلاقية عدة.
المشروع الأوروبي اليوم استقر تحت عنوان بدائل الدم الأوروبية المدعوم من الإتحاد الأوروبي بدأ بشكل رسمي العام الماضي بقيادة الدكتور كينث لاو من جامعة نوتنهام بالمملكة المتحدة ويضم اثنتي عشرة أكاديمية علمية ومؤسسة صناعية، وهو مشروع بحث مدته ثلاث سنوات لإنتاج هيموغلوبين من الميكروبات وقطع هذا المشروع مراحل كبيرة في إتمامه.
بديل أميركي
* اكتشف البروفسور ليلاند كلارك في الستينات من القرن الماضي سوائل الفلوروكاربون، لكن انقطعت من حينها الأبحاث حولها الى أن عاد الحديث عنها في السنوات القليلة الماضية، وكثير من الباحثين في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخرى من العالم يعتقدون أنها الأقرب أن تكون هي البديل الممكن والعملي والأكثر فائدة، وهو ما تدل عليه مراجعة الأبحاث الصادرة مناطق عدة للبحث العلمي في الولايات المتحدة. فالفلوروكاربون قادر على إذابة واحتواء كميات عالية من الأوكسجين وبذلها لخلايا الجسم إذا ما احتاجته وهو مادة صناعية لا لون أو رائحة لها ولا تحتاج ان تصنع ميكروبات أو استخلاصها من حيوان أو إنسان وهي مركبات ثابتة لا تتأثر بالجسم ولا تؤذي أعضاء الجسم ويتم تخلص الجسم منها عبر الرئتين مع النفس ومادة رخيصة الثمن. لكنها تحتاج الى طريقة خاصة بتكوين مزيجها قبل حقنه في الأوعية الدموية وتتطلب أن يتنفس المريض كميات عالية من الأوكسجين عبر القناع كما أن لدى بعض المرضى شكوى من أعراض شبيهة بالانفلونزا غير معروف سببها وهي محل دراسة.